فصل: ‏(‏4‏)‏ حق الجوار والصحبة والشراكة والضيافة‏:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الولاء والبراء في الإسلام (نسخة منقحة)



.ثانيًا‏: الحقوق الخاصة‏:

.‏(‏1‏)‏ حق النبي صلى الله عليه وسلم‏:

وهو هادي هذه الأمة وقائدها ورسولها صلى الله عليه وسلم وإليه المرجع في التبليغ والإتباع، وحق كل مسلم في هذه الأمة أن يحبه أكثر من نفسه وماله ووالده وولده، وأن يجعل طاعته كلها له وذلك بعد الله سبحانه وتعالى وأن يذب عنه وعن دينه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وقد جاءت في هذا آيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى‏: ‏ {إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلًا} [الفتح‏: 8- 9‏]‏ فجمع الله حقه وحق رسوله في آية واحدة فحق الرسول التعزيز والتوقير والإيمان به وتسبيحه بكرة وأصيلًا، وجعل الله إيذاء الرسول موجبًا للعن مهما صغر مادام أن صاحبه يقصد كما قال تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا} [الأحزاب‏: 57‏]‏ فجمع سبحانه بين نفسه وبين رسوله أيضًا في آية واحدة ليبين أن الأذى الواقع على رسوله يقع على الله أيضًا‏.‏
وجعل إساءة الأدب ولو دون قصد بحضرة الرسول محبطة كما قال تعالي‏: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات‏: 2‏]‏ فقوله تعالى‏: {وأنتم لا تشعرون‏}‏ دليل على أن من لم يقصد هذه الإساءة يحبط عمله، وأما من رفع صوته على النبي وبحضرته يقصد الإساءة إليه فلا شك أنه كافر ملعون كما مر في آية الأحزاب الآنفة، فكيف بعد ذلك الذين يتهمون الرسول بشتى التهم ويعادون سنته ويستهزئون بهديه ومع ذلك يزعمون أنهم من المسلمين‏؟‏

.‏(‏2‏)‏ حق الربانيين والعلماء‏:

ويأتي بعد حق الرسول صلى الله عليه وسلم حقوق الربانيين من أهل العلم والفضل والذين وفقهم الله لتعليم الناس وتربيتهم وتوجيههم والأخذ بأيديهم إلى الهدى والنور، وهؤلاء حقوقهم في المحبة والطاعة والموالاة والنصرة ورد الجميل بعد حقوق النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة إذ هم السبب المباشر في الهداية والإرشاد وشكرهم واجب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏: «‏لا يشكر الله من لا يشكر الناس‏»‏ [‏أبو داود والترمذي وأحمد‏]‏ ولاشك أن أعظم الناس معروفًا من هداك الله على يديه وأرشدك به ولو إلى قليل من الخير، فكيف إذا كنت ضالًا فهداك الله بواسطته، وكافرًا فأسلمت على يديه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول‏: «‏من صنع لكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تظنوا أنكم قد كافأتموه‏»‏ [‏أبو داود والنسائي وأحمد‏]‏ ومعلوم أن مكافأة من هداك إلى الدين مستحيلة لأن الخير الذي ساقه الله لك على يديه لا تستطيع أن ترد مثله إليه فقد هداك الرباني إلى الجنة بتوفيق الله وإعانته فهل تستطيع أن تكافئه بمثل الجنة‏؟‏ لا، إلا أن تدعو له بأن يحقق الله له من الخير مثل ما أسدى إليك‏.‏
وقد جمع الله ولاية نفسه والرسول والمؤمنين في آية واحدة كما قال تعالى‏: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [المائدة‏: 55‏]‏ أي هؤلاء هم من يجب علينا أن نوالهم الله ورسوله والمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو متصفون بالركوع الدائم كما وصف الله ورسوله معه بقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا} [الفتح‏: 29‏]‏‏.‏

.‏(‏3‏)‏ حق الوالدين والأرحام‏:

ثم يأتي بعد حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق المربي والمعلم للخير حق الوالدين والأرحام، وأولى الوالدين الأم ثم الأب كما جاء في الصحيحين ‏أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي‏؟‏ قال‏: «‏أمك‏»‏ قال‏: ثم من‏؟‏ قال‏: «‏أمك‏»‏ قال‏: ثم من‏؟‏ قال‏: «‏أمك‏»‏ قال‏: ثم من‏؟‏ قال‏: «‏أبوك‏»‏ [‏متفق عليه‏]‏، وقد أمر الله بالبر بهما في آيات كثيرة من كتابه كما قال تعالى‏: ‏ {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهم أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء‏: 23- 24‏]‏، والبر بالوالدين يستمر ويجب حتى مع كفرهما ودعوتهما ابنهما إلى الكفر والشرك والمقصود بالبر هنا المصاحبة بالمعروف كالقول اللين وعدم التعنيف وعدم التأفف وعدم الزجر والإحسان إليهما بالمال والإعانة والخدمة كل ذلك حاشا الطاعة في الكفر والشرك كما قال تعالى في سورة لقمان ‏ {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} [لقمان‏: 14- 15‏]‏‏.‏
ويأتي بعد الوالدين الأرحام الأقرب فالأقرب كالأخوة والأخوات والأبناء وأبناء الأبناء وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، وهكذا وكل هؤلاء يجب وصلهم حتى لو قطعوا، وقد هدد الله من يقطع أرحامه بالقطع والدخول في النار بل جعل الله قطع الأرحام من الفساد في الأرض كما قال تعالى‏: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد‏: 22‏]‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏: «‏لا يدخل الجنة قاطع‏»‏ [‏الشيخان وأبو داود والترمذي وأحمد‏]‏ وقال أيضًا‏: «‏يقول الله تعالى‏: ‏أنا الرحمن خلقت الرحم ووضعت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته‏‏‏»‏ [‏أحمد وغيره‏]‏ وصلة الأرحام واجبة أيضًا مع كفرهم ما داموا غير محاربين لله كما سيأتي تعريف ذلك في باب البراءة، أما إذا كانوا مسالمين غير محاربين للمسلمين فيستحب برهم والإحسان إليهم ولو كانوا كفارًا والنصوص السالفة عامة في كل الأرحام وقد بينا كيف نص الله على الوالدين بالبر والإحسان مع الكفر وهما من جملة الأرحام وكذلك نص على وجوب الإحسان إلى الأقارب مع الكفر كما قال تعالى‏: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} [البقرة‏: 272‏]‏ وقد نزلت هذه الآية في بعض الأنصار كان لهم أقارب كفار يحسنون إليهم رجاء إسلامهم، فلما استبطئوا ذلك قطعوا عنهم النفقة، فأنزل الله الآية، والعجيب بعد كل هذه النصوص المحكمة الواضحة أن نجد مسلمين يتشدقون باسم الإسلام ويقطعون أرحامهم بدعوى أنهم على بعض المعاصي، وسيأتي أن موالاة المسلم واجبة مع فعله للمعصية فكيف بالأرحام والأقارب‏.‏

.‏(‏4‏)‏ حق الجوار والصحبة والشراكة والضيافة‏:

ويأتي بعد حقوق الأرحام حقوق الجوار والصحبة والشراكة والضيافة وكل ذلك ثابت أيضًا في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة كما قال تعالى‏: ‏ {واعبدوا لله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا} [النساء‏: 36‏]‏، وقال صلى الله عليه وسلم: «‏ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه‏»‏ [‏متفق عليه‏]‏، وأما الضيف فقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم‏: «‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره‏.‏‏.‏ الحديث‏»‏ [‏البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجة‏]‏ وقال أيضًا‏: «‏والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن‏»‏ قالوا‏: من يا رسول الله‏؟‏ قال‏: «‏من لا يؤمن جاره بوائقه‏»‏ [‏البخاري ومسلم وأحمد‏]‏‏.‏

.‏(‏5‏)‏ حق الفقير والمسكين وابن السبيل والسائل‏:

ثم يأتي بعد ذلك حق الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والسائلين، وقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة توصي بهم وتجعل لهم نصيبًا في الزكاة وأموال المسلمين العامة بل ويجعل لهم حقوقاُ في مال المسلمين غير الزكاة وهي أشبه من المعلوم بالدين ضرورة ولذلك فلا داعي لسرد النصوص في ذلك‏.‏

.ثالثًا‏: نواقض الموالاة‏:

عرفنا فيما مضى هذا الأصل من أصول الموالاة وعرفنا معناه الشرعي واللغوي، ولمن يجب ومراتب المؤمنين ومنازلهم بحسب الموالاة، والآن نأتي إلى نواقض هذا الأصل، ونستطيع تلخيصها فيما يلي‏:

.‏(‏1‏)‏ إخراج المسلم من الإسلام عن معرفة وبصيرة‏:

كل من حكم على رجل مسلم بأنه كافر وهو يعلم في قرارة نفسه أنه مسلم فقد كفر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏: «‏أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما‏»‏ [‏متفق عليه‏]‏، أي إما أن يكون كافرًا في الحقيقة وهذا الوصف ينطبق عليه، وإما عاد القول إلى قائله، كما قال أيضًا صلى الله عليه وسلم‏: «‏من قال لأخيه يا كافر وليس كما قال إلا حار عليه‏»‏ [‏مسلم‏]‏ أي رجع الوصف عليه، وأما تكفير المسلم خطئًا وظنًا فهو معصية وليس بكفر، كمن ظن أن مسلمًا فعل مكفرًا وليس بمكفر فكفره لذلك ظانًا أنه قد كفر بذلك، فهذا مرتكب للمعصية وخاصة إذا اقترن هذا مع الجهل والتهجم على الفتيا، وعدم التروي دون استفراغ الوسع في معرفة متى يكفر المسلم ومتى لا يكفر، وأما من كفر مسلمًا وهو يعلم أو يغلب على ظنه أنه لا يكفر بما رآه عليه أو سمع عنه فقد كفر قطعًا، لأنه يكون قد كفر مسلمًا عن علم وبصيرة‏.‏